هكذا الشعر يهز الوجدان.!
(وداعا.. "كريم العراقي")
التحق الشاعر المتميز "كريم العراقي" بقافلة الشعراء الكبار الذين يرحلون ولا يموتون، يأخذون مسافاتهم الضرورية عن مواجع وطن (وطن كبير بهوياته وشعوبه وحدوده المتعددة ودسائسه الكثيرة) يقتات من قلوب أبنائه التعب.
يوم 1 شتنبر 2023 عن عمر 68 سنة، غادر الشاعر العراقي الكبير والإعلامي "كريم عودة" الإنسان (المعروف والشهير باسم "كريم العراقي") بعد معاناة مع مرض السرطان، والذي لم يستطع أن يهزم روحه وشغفه بالحياة إلى آخر رمق من عمره الآدمي الذي ينتهي، ككل البشر، عاجلا أم آجلا.
ولم يستطع سجن صوته الذي استمر في البوح صادحا بمواويل الحب العطرة، في كل الظروف والأوقات.
ورغم شقاوة العيش في ظل تبعات الانحرافات والانجرافات والمغامرات والمؤامرات السياسية والطائفية التي تحاول تكبيل بلاد الرافدين (العراق)، وحجم الدمار النفسي والاجتماعي والبنيوي الذي يخلفه العيش في هذه المنطقة المرهقة (برمتها من البحر إلى البحر!)، وكدا التغرب الاضطراري عنها، في وجدان شعوبها وبنياتها ومؤسساتها وشعور أبنائها،، والضغوطات الفردية الكثيرة والمتنوعة (والجماعية أيضا) والتي أنتجت بنية مجتمعية هجينة ومشوهة في معظم الحالات والصفات...
كان للشعر، للفن، للإنتاج، للانتصار لإرادة الحياة والعمق الإنساني الجميل الكلمة الأعلى والأقوى لاستمرار حلم وعزيمة البقاء والامل في المستقبل.. في كل الظروف.
وكان "كريم العراقي" في هذا الخندق النبيل.
***
"كريم العراقي" الشاعر والسياسي "الشيوعي الشاب" الذي تمت "صباغته بالضرورة البعثية" و"الاضطرار العروبي"، لم يتوان عن التحليق فاردا مشواره الإبداعي (جناحيه) في سماء الحرية المتأصلة في الإنسان، متخففا تدريجيا من ثقل الحضور والتخندق الحزبي الضيق، من مدى المشكاة العظمى في جدار الخوف (الشعر)، مبهرا بانطلاقه الجمالي المروع.
ولم يغمض عينيه عن وهج الوطن المتألم والحالم، ونبض الإنسان، والجمال الفني والقيمي المشتهى.
برحيل كريم العراقي؛
"الشعر يزداد يتما
والحكمة تتشظى
والحزن الطازج ينوء
وتتألم الهمم..."
فقد الشعر استمرار أحد أصواته الشجية والعطاء المتقد، ولم يفقد صوتا مميزا ينبثق منه الصدى.
سيبقى "كريم العراقي" يهز وجدان المتلقي قولا ونصا غنائيا وحضورا رئيفا في ذاكرة المنابر والمنصات...
رحال لحسيني
الجديدة (المغرب)، 2 شتنبر 2023
* الشاعر الراحل "كريم العراقي" برفقة صوته الغنائي الفنان "كاضم الساهر"